Kamis, 21 Juni 2012

الكلام في السند العالي و النازل



المجمع : فكري حبيب الهه محرم
الكتاب : شرح إختصار علوم الحديث
المؤلف : إبراهيم اللاحم
[ الكتاب مرقم آليا وهو مجموعة أشرطة مفرّغة ]
قام بتنسيقه و فهرسته أسامة بن الزهراء -عفا الله عنه- لملتقى أهل الحديث

النوع التاسع والعشرون: معرفة الإسناد العالي والنازل
النوع التاسع والعشرون، معرفة الإسناد العالي والنازل: ولما كان الإسناد من خصائص هذه الأمة؛ وذلك أنه ليس لأمة من الأمم يمكنها أن تسند عن نبيها إسنادا متصلا غير هذه الأمة؛ ولهذا كان طلب الإسناد العالي مرغبا فيه، كما قال الإمام أحمد بن حنبل: الإسناد العالي سنة عمن سلف، وقيل ليحيى بن معين في مرض موته: ما تشتهي؟ قال : بيت خال وإسناد عال ؛ ولهذا دعت رغبات كثير من الأئمة النقاد والجهابذة الحفاظ إلى الرحلة إلى أقطار البلاد طلبا لعلو الإسناد، وإن كان قد منع من جواز الرحلة بعض الجهلة من العباد، فيما حكاه الرامهرمزي في كتابه الفاصل، ثم إن علو الإسناد أبعد من الخطأ والعلة من نزوله.
وقال بعض المتكلمين: كلما طال الإسناد كان النظر في التراجم والجرح والتعديل أكثر، فيكون الأجر على قدر المشقة، وهذا لا يقابل ولا يقابل ما ذكرناه، والله أعلم .
(1/357)

وأشرف أنواع العلو ما كان قريبا إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فأما العلو بقربه لإمام حافظ أو منصف، أو بتقدم السماع تلك أمور نسبية، فقد تكلم الشيخ أبو عمرو ها هنا عن الموافقة، وهي انتهاء إسناده إلى شيخ مسن -مثلا-، والبدل: وهو انتهاؤه إلى شيخ شيخه أو مثل شيخه، والمساواة: وهو أن يتساوي في إسنادك الحديث لمصنف ، والمصافحة: وهي عبارة عن نزولك عنه بدرجة، حتى كأنه صافحك به، وسمعته منه. وهذه الفنون توجد كثيرا في كلام الخطيب البغدادي، ومن نحا نحوه، قد صنف الحاكم ابن عساكر في ذلك مجلدات.
وعندي أنه نوع قليل الجدوى بالنسبة إلى بقية الفنون ، فأما من قال: إن العالي من الإسناد: ما صح سنده، وإن كثرت رجاله، فهذا اصطلاح خاص، وماذا يقول هذا القائل فيما إذا صح الإسنادان؟! لكن أقرب رجالا، وهذا قول محكي عن وزير نظام الملك وعن الحافظ السلفي .
وأما النزول فهو ضد العلو، وهو مفضول بالنسبة إلى العلو، اللهم إلا أن يكون رجال الإسناد النازل أجلّ من رجال العالي، وإن كان الجميع ثقات ، كما قال وكيع لأصحابه : أيما أحب إليكم؟ الأعمش، عن أبي وائل، عن ابن مسعود، أو سفيان، عن منصور، عن إبراهيم، عن علقمة، عن ابن مسعود.
فقالوا: الأول، فقال: الأعمش عن أبي..، فقال: الأعمش عن أبي وائل: شيخ عن شيخ، وسفيان، عن منصور، عن إبراهيم، عن علقمة، عن ابن مسعود، فقيه عن فقيه، وحديث يتداوله الفقهاء أحب إلينا مما يتداوله الشيوخ .
(1/358)

هذا النوع التاسع والعشرون متعلق بالإسناد العالي والإسناد النازل ، وخلاصة الموضوع في هذا أن الإسناد العالي: هو الذي قل رجاله إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - بالنسبة إلى إسناد آخر لنفس الحديث، بالنسبة لإسناد آخر لنفس الحديث وليس لحديث آخر، يعني -مثلا- حديثان أو إسنادان لحديث واحد، لنفرض -مثلا- أن مسلما يروي حديثا، أو البخاري يروي حديثا، يرويه بإسناد بينه وبين النبي - صلى الله عليه وسلم - أربعة، ويرويه بإسناد آخر بينه وبين النبي - صلى الله عليه وسلم - خمسة أو ستة، يقال بالنسبة للأول: هذا إسناد عال، هذا هو العلو، هذا هو العلو المطلق، ويسمونه العلو المطلق، ومعناه قلة إسناد الحديث، قلة عدد رجال إسناد الحديث بالنسبة إلى إسناد آخر للحديث نفسه.
وهذا هو الذي رغب فيه العلما، ومن أجله كانت الرحلة، يعني كان الراوي يسمع من شيخ حديثا عن الشيخ، يكون الشيخ هذا موجودا، لكن في بلد آخر، فيرحل الشيخ إلى هذا الراوي ليسمع منه، ويسقط الواسطة لا يحتاج إليها، وقد جمع الخطيب -رحمه الله تعالى- كتابا سماه "الرحلة في طلب الحديث"، لكنه خصه بمن رحل في طلب حديث واحد، في طلب حديث واحد رحل من بلد إلى بلد .
وابتدأه بأخبار بعض الصحابة: جابر بن عبد الله وغيره ممن رحل في طلب حديث واحد ، يعني يرحل إلى البلد، ويطرق الباب ويقول له: سمعت هذا الحديث، فيقول: نعم، فيرجع .
وأما أخبار المحدثين في الرحلة عموما فلا يمكن أن يضبطها كتاب، فإن عملهم كله قائم على الرحلة في طلب الحديث؛ ولهذا ينصون على من لم يرحل، يقولون: لم يرحل أو رحل إلى -مثلا- بلاد قريبة من بلادهم ، أما سائر المحدثين في عصر الرواية، فكان عملهم هو الرحلة؛ ولهذا يقولون: الإمام أحمد -رحمه الله- رحل إلى مكة ما فيها إشكال، لكن رحل إلى اليمن وإلى الشام، ورحل البخاري إلى... طاف البلاد الإسلامية، ورحل مسلم إلى مصر...، يطوفون.
(1/359)

يقول أبو حاتم -رحمه الله-: إنني عندما ابتدأت الرحلة صرت أعد- يمشون مشيا على القدمين- كنت أعد كم قطعت، فلما بلغت ألف فرسخ تركت العدد، طال.. طالت المسافة، وصار لا يضبط العدد.
فهذه الرحلة مما تميز به المحدثون -رحمهم الله تعالى-، وكما ذكر العلماء السبب هو باختصار: أنه كلما قل رجال الإسناد كلما كان احتمال الخطأ أقل. بس، هذه فائدة الرحلة، هذه فائدة الرحلة، أنه كلما قل رجال الإسناد كلما كان احتمال الخطأ أقل.
تكلم ابن كثير -رحمه الله تعالى- على قضايا منها أن بعضهم يقول: طول الإسناد فيه منقبة، وهي أنك تنظر في عدد من الرجال فيعظم أجرك، وهذا فائدة غير مسألة ضبط الرواية التي يريدها المحدثون، هذه قضية خارجة عن يعني غرض المحدثين من الرحلة وطلب علو الإسناد.
ثم قسم ابن كثير -رحمه الله- العلو إلى نوعين:
العلو المطلق: الذي ذكرته قبل قليل، وهو: قلة الرجال إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - .
والعلو النسبي: وهو الذي يكون بالنسبة إلى إمام حافظ مثل مالك ، أو إلى مصنف، مثل: النسائي، ويقسمونه إلى أقسام: الموافقة والبدل والمساواة والمصافحة، وهذه أمور يعني مصطلحات عندهم بالنسبة للعلو إلى حافظ، أو إلى إمام أو يعني -مثلا- إلى النسائي، فهذا علو نسبي، يسمونه ليس هو قلة الرجال، ويقول ابن كثير -رحمه الله- : إن المتأخرين- في كلامه- أولعوا بهذا العلو، واعتنوا به، ويقول: إنه قليل الجدوى بالنسبة إلى بقية الفنون.
هذه كلمة ابن كثير، وهي كلمة صادقة صحيحة، ولكن ابن حجر -رحمه الله- حينما ترجم لابن كثير أخذ عليه… يعني لم يأخذ عليه، ولكنه نبه يقول : إنه ليس على طريقة المحدثين في طلب علو الإسناد وكذا وكذا، وإنما اعتنى بالتصحيح والتضعيف والجرح والتعديل.
(1/360)

فقال السيوطي -رحمه الله-: إن ما عمله ابن كثير -يعني كأنه يقول-: هو الأولى. أما تطلب علو الإسناد، ولا سيما نحن نعرف أنه في العصور المتأخرة طلبوا علو الإسناد بأساليب يعني بأساليب، مثلما نقول: بتسامح كبير، تسامح كبير، يتسامحون، همهم فقط هو علو الإسناد.
ويقول ابن كثير -رحمه الله-: إن تطلبه هذا كثير الجدوى بالنسبة للفنون الأخرى؛ ولهذا نحن نقول الآن -لما ذهب عصر الرواية، وصار الاعتماد على مجرد الإجازات-: إن تطلب هذا يعني الاعتناء به، وصرف الوقت فيه؛ لأني رأيت بعض الإخوان يريد.. يقول: أريد أن أسافر إلى الهند، أريد أن أسافر البلد الفلاني من أجل الحصول على إجازات. نحن نقول له: هذا اشتغال عما هو أهم منه، عن -مثلا- حفظ السنة، وعن الاشتغال -مثلا- نقد السنة، الاشتغال بالتفقه في السنة؛ فلهذا يعني كل شيء له زمنه، كل شيء له وقته .
الرحلة في تلك الأوقات في عصر الرواية، تختلف عنها في زماننا الآن، ينبغي للشخص أن يرحل لطلب العلم، يعني الأمر.. لطلب العلم الذي يستفيد منه، هذا الذي يعني يتعلق بالعالي والنازل.
بعضهم.. تكلم ابن كثير عن العلو الوصفي، يعني العلو المتعلق بالوصف لا بالعدد الذي هو صحة الإسناد، وهذا لا إشكال فيه، لا أحد ينازع فيه، وهو أنه إذا كان هناك إسنادان: واحد عال، لكن ضعيف، والآخر نازل، وهو صحيح، أيهما العلو الحقيقي ؟ الصحيح بلا إشكال هذا هو العلو يعني المعتبر، ولكن من جهة العلو الذي يقصده المحدثون، أيهما العالي ؟ الضعيف، ولا بأس بهذا، مثلا الإمام مسلم -رحمه الله- عرفنا أنه أخرج لرجال فيهم ضعف لمجرد العلو؛ لأن ما يروونه محفوظ من طريق الثقات، وأحب مسلم أن يعلو عن طريقهم، وهذا يفعله المحدثون كثيرا، أن يعلوا بأسانيد فيها ضعف؛ لأن الحديث الذي يروى بهذا الإسناد الذي فيه ضعف مضبوط من طرق أخرى نازلة، وهذا لا إشكال فيه.
(1/361)

ثم تكلم عن قضية يعني قضية الجلالة في الإسناد النازل، إذا كان -مثلا- الإسناد النازل فيه زيادة -مثلا- كونه فيه حافظ معروف، أو إمام معروف، أو كونه متسلسلا -مثلا- بالحفاظ الثقات، فهو بلا شك أجلّ من إسناد يعني ليس فيه ذلك، وإن كان أقل منه رجالا.
وهذا كله كما ذكرت ليس من العلو والنزول الاصطلاحي، العلو والنزول الاصطلاحي راجع إلى أي شيء إذن؟ إلى العدد إلى العدد، وأما الوصف فهو أمر خارج قضية العلو الاصطلاحي.
بقي أنواع في الحقيقة يعني لعلنا نمر عليها، أو نتمكن منه غدا -إن شاء الله تعالى- وما نستطيع أن نطيل أكثر من هذا.
ننبه الإخوان -جزاهم الله خيرا- أن يكون شرح درس اليوم بعد صلاة العشاء إضافة إلى درس غدا بعد صلاة الفجر، يكون هناك درسان -إن شاء الله-؛ لإنهاء الكتاب، وتؤجل -إن شاء الله- إلى الدرس القادم بناء على طلب الشيخ، وجزاكم الله خيرا، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
(1/362)


الكتاب : علم مصطلح الحديث
المؤلف : فضيلة الشيخ العلامة محمد بن صالح العثيمين رحمه الله

وينقسم إلى قسمين: عالٍ ونازل.
فالعالي: ما كان أقرب إلى الصحة، والنازل عكسه.
والعلو نوعان: علو صفة وعلو عدد.
1 - فعلو الصفة: أن يكون الرواة أقوى في الضبط أو العدالة من الرواة في إسناد آخر.
2 - وعلو العدد: أن يقل عدد الرواة في إسناد بالنسبة إلى إسناد آخر.
وإنما كانت قلة العدد علواً؛ لأنه كلما قلّت الوسائط قلَّ احتمال الخطأ، فكان أقرب للصحة.
والنزول يقابل العلو، فيكون نوعين: نزول صفة، نزول عدد.
1 - فنزول الصفة: أن يكون الرواة أضعف في الضبط أو العدالة من الرواة في إسناد آخر.
2 - ونزول العدد: أن يكثر عدد الرواة في إسناد بالنسبة إلى إسناد آخر.
وقد يجتمع النوعان علو الصفة وعلو العدد في إسناد واحد، فيكون عالياً من حيث الصفة ومن حيث العدد.
وقد يوجد أحدهما دون الآخر، فيكون الإسناد عالياً من حيث الصفة، نازلاً من حيث العدد أو بالعكس، وفائدة معرفة العلو والنزول: الحكم بالترجيح للعالي عند التعارض.
عنوان الكتاب: علوم الحديث لابن الصلاح
المؤلف: أبو عمرو عثمان بن عبد الرحمن الشَّهْرُزُوْرِيُّ
الناشر : دار الفكر المعاصر سنة النشر: 1425هـ / 2004م
عدد الأجزاء: جزء واحد
فهرسه للشاملة أبو سلمى المغربي من ملتقى أهل الحديث
الكتاب مُشَكَل ومُفهرس حسب والأبواب
[مُشكل وترقيم كتاب موافق للمطبوع داخل الصفحات فقط
تجد مثلا [ ص: 5 ]

النَّوْعُ التَّاسِعُ وَالْعِشْرُونَ مَعْرِفَةُ الْإِسْنَادِ الْعَالِي وَالنَّازِلِ
أَصْلُ الْإِسْنَادِ أَوَّلًا : خَصِيصَةٌ فَاضِلَةٌ مِنْ خَصَائِصِ هَذِهِ الْأُمَّةِ ، وَسُنَّةٌ بَالِغَةٌ مِنَ السُّنَنِ الْمُؤَكَّدَةِ .

رُوِّينَا مِنْ غَيْرِ وَجْهٍ عَنْ [ ص: 256 ] عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْمُبَارَكِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ : " الْإِسْنَادُ مِنَ الدِّينِ ، لَوْلَا الْإِسْنَادُ لَقَالَ مَنْ شَاءَ مَا شَاءَ " .

وَطَلَبُ الْعُلُوِّ فِيهِ سُنَّةٌ أَيْضًا ، وَلِذَلِكَ اسْتُحِبَّتِ الرِّحْلَةُ فِيهِ عَلَى مَا سَبَقَ ذِكْرُهُ .

قَالَ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ : " طَلَبُ الْإِسْنَادِ الْعَالِي سُنَّةٌ عَمَّنْ سَلَفَ " .

وَقَدْ رُوِّينَا : أَنَّ يَحْيَى بْنَ مَعِينٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قِيلَ لَهُ فِي مَرَضِهِ الَّذِي مَاتَ فِيهِ : " مَا تَشْتَهِي ؟ قَالَ : " بَيْتٌ خَالِي ، وَإِسْنَادٌ عَالِي " .

قُلْتُ : الْعُلُوُّ يُبْعِدُ الْإِسْنَادَ مِنَ الْخَلَلِ ، لِأَنَّ كُلَّ رَجُلٍ مِنْ رِجَالِهِ يُحْتَمَلُ أَنْ يَقَعَ الْخَلَلُ مِنْ جِهَتِهِ سَهْوًا ، أَوْ عَمْدًا ، فَفِي قِلَّتِهِمْ قِلَّةُ جِهَاتِ الْخَلَلِ ، وَفِي كَثْرَتِهِمْ كَثْرَةُ جِهَاتِ الْخَلَلِ ، وَهَذَا جَلِيٌّ وَاضِحٌ.
ثُمَّ إِنَّ الْعُلُوَّ الْمَطْلُوبَ فِي رِوَايَةِ الْحَدِيثِ عَلَى أَقْسَامٍ خَمْسَةٍ :

أَوَّلُهَا : الْقُرْبُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِإِسْنَادٍ نَظِيفٍ غَيْرِ ضَعِيفٍ ، وَذَلِكَ مِنْ أَجَلِّ أَنْوَاعِ الْعُلُوِّ ، وَقَدْ رُوِّينَا عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ أَسْلَمَ الطُّوسِيِّ [ ص: 257 ] الزَّاهِدِ الْعَالِمِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ : " قُرْبُ الْإِسْنَادِ قُرْبٌ أَوْ قُرْبَةٌ إِلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ " .

وَهَذَا كَمَا قَالَ ; لِأَنَّ قُرْبَ الْإِسْنَادِ قُرْبٌ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ، وَالْقُرْبُ إِلَيْهِ قُرْبٌ إِلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ .

الثَّانِي : وَهُوَ الَّذِي ذَكَرَهُ الْحَاكِمُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ ، الْقُرْبُ مِنْ إِمَامٍ مِنْ أَئِمَّةِ الْحَدِيثِ ، وَإِنْ كَثُرَ الْعَدَدُ مِنْ ذَلِكَ الْإِمَامِ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ، فَإِذَا وُجِدَ ذَلِكَ فِي إِسْنَادٍ وُصِفَ بِالْعُلُوِّ ، نَظَرًا إِلَى قُرْبِهِ مِنْ ذَلِكَ الْإِمَامِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ عَالِيًا بِالنِّسْبَةِ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -

وَكَلَامُ الْحَاكِمِ يُوهِمُ أَنَّ الْقُرْبَ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَا يُعَدُّ مِنَ الْعُلُوِّ الْمَطْلُوبِ أَصْلًا .

وَهَذَا غَلَطٌ مِنْ قَائِلِهِ ; لِأَنَّ الْقُرْبَ مِنْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِإِسْنَادٍ نَظِيفٍ غَيْرِ ضَعِيفٍ أَوْلَى بِذَلِكَ .

وَلَا يُنَازِعُ فِي هَذَا مَنْ لَهُ مُسْكَةٌ مِنْ مَعْرِفَةٍ ، وَكَأَنَّ الْحَاكِمَ أَرَادَ بِكَلَامِهِ ذَلِكَ إِثْبَاتَ الْعُلُوِّ لِلْإِسْنَادِ بِقُرْبِهِ مِنْ إِمَامٍ ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ قَرِيبًا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ، وَالْإِنْكَارَ عَلَى مَنْ يُرَاعِي فِي [ ص: 258 ] ذَلِكَ مُجَرَّدَ قُرْبِ الْإِسْنَادِ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَإِنْ كَانَ إِسْنَادًا ضَعِيفًا ، وَلِهَذَا مَثَّلَ ذَلِكَ بِحَدِيثِ أَبِي هُدْبَةَ ، وَ دِينَارٍ ، وَ الْأَشَجِّ ، وَأَشْبَاهِهِمْ ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ .

الثَّالِثُ : الْعُلُوُّ بِالنِّسْبَةِ إِلَى رِوَايَةِ الصَّحِيحَيْنِ ، أَوْ أَحَدِهِمَا ، أَوْ غَيْرِهِمَا مِنَ الْكُتُبِ الْمَعْرُوفَةِ الْمُعْتَمَدَةِ ، وَذَلِكَ مَا اشْتُهِرَ آخِرًا مِنَ الْمُوَافَقَاتِ ، وَالْأَبْدَالِ ، وَالْمُسَاوَاةِ ، وَالْمُصَافَحَةِ ، وَقَدْ كَثُرَ اعْتِنَاءُ الْمُحَدِّثِينَ الْمُتَأَخِّرِينَ بِهَذَا النَّوْعِ ، وَمِمَّنْ وَجَدْتُ هَذَا النَّوْعَ فِي كَلَامِهِ أَبُو بَكْرٍ الْخَطِيبُ الْحَافِظُ وَبَعْضُ شُيُوخِهِ ، وَ أَبُو نَصْرِ بْنُ مَاكُولَا ، وَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحُمَيْدِيُّ ، وَغَيْرُهُمْ مِنْ طَبَقَتِهِمْ ، وَمِمَّنْ جَاءَ بَعْدَهُمْ ، ( وَاللَّهُ أَعْلَمُ ) .

أَمَّا الْمُوَافَقَةُ : فَهِيَ أَنْ يَقَعَ لَكَ الْحَدِيثُ عَنْ شَيْخِ مُسْلِمٍ فِيهِ - مَثَلًا - عَالِيًا ، بِعَدَدٍ أَقَلَّ مِنَ الْعَدَدِ الَّذِي يَقَعُ لَكَ بِهِ ذَلِكَ الْحَدِيثُ عَنْ ذَلِكَ الشَّيْخِ إِذَا رَوَيْتَهُ عَنْ مُسْلِمٍ عَنْهُ .

وَأَمَّا الْبَدَلُ : فَمِثْلُ أَنْ يَقَعَ لَكَ هَذَا الْعُلُوُّ عَنْ شَيْخٍ غَيْرِ شَيْخِ مُسْلِمٍ ، [ ص: 259 ] هُوَ مِثْلُ شَيْخِ مُسْلِمٍ فِي ذَلِكَ الْحَدِيثِ .

وَقَدْ يُرَدُّ الْبَدَلُ إِلَى الْمُوَافَقَةِ ، فَيُقَالُ فِيمَا ذَكَرْنَاهُ إِنَّهُ مُوَافَقَةٌ عَالِيَةٌ فِي شَيْخِ شَيْخِ مُسْلِمٍ ، وَلَوْ لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ عَالِيًا فَهُوَ أَيْضًا مُوَافَقَةٌ ، وَبَدَلٌ ، لَكِنْ لَا يُطْلَقُ عَلَيْهِ اسْمُ الْمُوَافَقَةِ ، وَالْبَدَلِ لِعَدَمِ الِالْتِفَاتِ إِلَيْهِ .

وَأَمَّا الْمُسَاوَاةُ : فَهِيَ - فِي أَعْصَارِنَا - أَنْ يَقِلَّ الْعَدَدُ فِي إِسْنَادِكَ لَا إِلَى شَيْخِ مُسْلِمٍ ، وَأَمْثَالِهِ ، وَلَا إِلَى شَيْخِ شَيْخِهِ ، بَلْ إِلَى مَنْ هُوَ أَبْعَدُ مِنْ ذَلِكَ كَالصَّحَابِيِّ ، أَوْ مَنْ قَارَبَهُ ، وَرُبَّمَا كَانَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِحَيْثُ يَقَعُ بَيْنَكَ وَبَيْنَ الصَّحَابِيِّ - مَثَلًا - مِنَ الْعَدَدِ مِثْلُ مَا وَقَعَ مِنَ الْعَدَدِ بَيْنَ مُسْلِمٍ ، وَبَيْنَ ذَلِكَ الصَّحَابِيِّ ، فَتَكُونُ بِذَلِكَ مُسَاوِيًا لِمُسْلِمٍ مَثَلًا فِي قُرْبِ الْإِسْنَادِ وَعَدَدِ رِجَالِهِ .

وَأَمَّا الْمُصَافَحَةُ : فَهِيَ أَنْ تَقَعَ هَذِهِ الْمُسَاوَاةُ الَّتِي وَصَفْنَاهَا لِشَيْخِكَ لَا لَكَ ، فَيَقَعُ ذَلِكَ لَكَ مُصَافَحَةً ، إِذْ تَكُونُ كَأَنَّكَ لَقِيتَ مُسْلِمًا فِي ذَلِكَ الْحَدِيثِ وَصَافَحْتَهُ بِهِ لِكَوْنِكَ قَدْ لَقِيتَ شَيْخَكَ الْمُسَاوِيَ لِمُسْلِمٍ .

فَإِنْ كَانَتِ الْمُسَاوَاةُ لِشَيْخِ شَيْخِكَ كَانْتِ الْمُصَافَحَةُ لِشَيْخِكَ ، فَتَقُولُ : كَأَنَّ شَيْخِي سَمِعَ مُسْلِمًا وَصَافَحَهُ .

وَإِنْ كَانَتِ الْمُسَاوَاةُ لِشَيْخِ شَيْخِ شَيْخِكَ ، فَالْمُصَافَحَةُ لِشَيْخِ شَيْخِكَ ، فَتَقُولُ فِيهَا : كَأَنَّ شَيْخَ شَيْخِي سَمِعَ مُسْلِمًا ، وَصَافَحَهُ . وَلَكَ أَنْ لَا تَذْكُرَ لَكَ فِي ذَلِكَ نِسْبَةً ، بَلْ تَقُولُ : كَأَنَّ فُلَانًا سَمِعَهُ مِنْ مُسْلِمٍ ، مِنْ غَيْرِ أَنْ تَقُولَ فِيهِ ( شَيْخِي ) ، أَوْ ( شَيْخَ شَيْخِي ) .

ثُمَّ لَا يَخْفَى عَلَى الْمُتَأَمِّلِ : أَنَّ فِي الْمُسَاوَاةِ ، وَالْمُصَافَحَةِ الْوَاقِعَتَيْنِ لَكَ [ ص: 260 ] لَا يَلْتَقِي إِسْنَادُكَ ، وَإِسْنَادُ مُسْلِمٍ - أَوْ نَحْوُهُ - إِلَّا بَعِيدًا عَنْ شَيْخِ مُسْلِمٍ ، فَيَلْتَقِيَانِ فِي الصَّحَابِيِّ ، أَوْ قَرِيبًا مِنْهُ ، فَإِنْ كَانَتِ الْمُصَافَحَةُ الَّتِي تَذْكُرُهَا لَيْسَتْ لَكَ ، بَلْ لِمَنْ فَوْقَكَ مِنْ رِجَالِإِسْنَادِكَ ، أَمْكَنَ الْتِقَاءُ الْإِسْنَادَيْنِ فِيهَا فِي شَيْخِ مُسْلِمٍ ، أَوْ أَشْبَاهِهِ ، وَدَاخَلَتِ الْمُصَافَحَةُ حِينَئِذٍ الْمُوَافَقَةَ ، فَإِنَّ مَعْنَى الْمُوَافَقَةِ رَاجِعٌ إِلَى مُسَاوَاةٍ وَمُصَافَحَةٍ مَخْصُوصَةٍ ، إِذْ حَاصِلُهَا : أَنَّ بَعْضَ مَنْ تَقَدَّمَ مِنْ رُوَاةِ إِسْنَادِكَ الْعَالِي سَاوَى أَوْ صَافَحَ مُسْلِمًا ، أَوِ الْبُخَارِيَّ ، لِكَوْنِهِ سَمِعَ مِمَّنْ سَمِعَ مِنْ شَيْخِهِمَا ، مَعَ تَأَخُّرِ طَبَقَتِهِ عَنْ طَبَقَتِهِمَا .

وَيُوجَدُ فِي كَثِيرٍ مِنَ الْعَوَالِي الْمُخَرَّجَةِ لِمَنْ تَكَلَّمَ أَوَّلًا فِي هَذَا النَّوْعِ ، وَطَبَقَتُهُمُ الْمُصَافَحَاتُ مَعَ الْمُوَافَقَاتِ ، وَالْأَبْدَالِ لِمَا ذَكَرْنَاهُ .

ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ هَذَا النَّوْعَ مِنَ الْعُلُوِّ عُلُوٌّ تَابِعٌ لِنُزُولٍ ، إِذْ لَوْلَا نُزُولُ ذَلِكَ الْإِمَامِ فِي إِسْنَادِهِ لَمْ تَعْلُ أَنْتَ فِي إِسْنَادِكَ .

وَكُنْتُ قَدْ قَرَأْتُ بِمَرْوَ عَلَى شَيْخِنَا الْمُكْثِرِ أَبِي الْمُظَفَّرِ عَبْدِ الرَّحِيمِ بْنِ الْحَافِظ ِ الْمُصَنِّفِ أَبِي سَعْدٍ السَّمْعَانِيِّ رَحِمَهُمَا اللَّهُ ، فِي أَرْبَعِي أَبِي الْبَرَكَاتِ الْفُرَاوِيِّ حَدِيثًا ادَّعَى فِيهِ أَنَّهُ كَأَنَّهُ سَمِعَهُ هُوَ أَوْ شَيْخُهُ مِنَ الْبُخَارِيِّ ، فَقَالَ الشَّيْخُ أَبُو الْمُظَفَّرِ : " لَيْسَ لَكَ بِعَالٍ ، وَلَكِنَّهُ لِلْبُخَارِيِّ نَازِلٌ " . وَهَذَا حَسَنٌ لَطِيفٌ ، يَخْدِشُ وَجْهَ هَذَا النَّوْعِ مِنَ الْعُلُوِّ ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ .

[ ص: 261 ] الرَّابِعُ : مِنْ أَنْوَاعِ الْعُلُوِّ : الْعُلُوُّ الْمُسْتَفَادُ مِنْ تَقَدُّمِ وَفَاةِ الرَّاوِي : مِثَالُهُ ما أَرْوِيهِ عَنْ شَيْخٍ ، أَخْبَرَنِي بِهِ عَنْ وَاحِدٍ ، عَنِ الْبَيْهَقِيِّ الْحَافِظِ ، عَنِ الْحَاكِمِ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظِ أَعْلَى مِنْ رِوَايَتِي لِذَلِكَ عَنْ شَيْخٍ ، أَخْبَرَنِي بِهِ عَنْ وَاحِدٍ ، عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ خَلَفٍ ، عَنِ الْحَاكِمِ ، وَإِنْ تَسَاوَى الْإِسْنَادَانِ فِي الْعَدَدِ ، لِتَقَدُّمِ وَفَاةِ الْبَيْهَقِيِّ عَلَى وَفَاةِ ابْنِ خَلَفٍ ; لِأَنَّ الْبَيْهَقِيَّ مَاتَ سَنَةَ ثَمَانٍ وَخَمْسِينَ وَأَرْبَعِمِائَةٍ ، وَمَاتَ ابْنُ خَلَفٍ سَنَةَ سَبْعٍ وَثَمَانِينَ وَأَرْبَعِمِائَةٍ .

رُوِّينَا عَنْ أَبِي يَعْلَى الْخَلِيلِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْخَلِيلِيِّ الْحَافِظِ رَحِمَهُ اللَّهُ ، قَالَ : " قَدْ يَكُونُ الْإِسْنَادُ يَعْلُو عَلَى غَيْرِهِ بِتَقَدُّمِ مَوْتِ رَاوِيهِ ، وَإِنْ كَانَا مُتَسَاوِيَيْنِ فِي الْعَدَدِ " . وَمَثَّلَ ذَلِكَ مِنْ حَدِيثِ نَفْسِهِ بِمِثْلِ مَا ذَكَرْنَاهُ .

ثُمَّ إِنَّ هَذَا كَلَامٌ فِي الْعُلُوِّ الْمُنْبَنِي عَلَى تَقَدُّمِ الْوَفَاةِ ، الْمُسْتَفَادِ مِنْ نِسْبَةِ شَيْخٍ إِلَى شَيْخٍ ، وَقِيَاسِ رَاوٍ بِرَاوٍ .

أَمَّا الْعُلُوُّ الْمُسْتَفَادُ مِنْ مُجَرَّدِ تَقَدُّمِ وَفَاةِ شَيْخِكَ مِنْ غَيْرِ نَظَرٍ إِلَى قِيَاسِهِ بِرَاوٍ آخَرَ ، فَقَدْ حَدَّهُ بَعْضُ أَهْلِ هَذَا الشَّأْنِ بِخَمْسِينَ سَنَةً . [ ص: 262 ] وَذَلِكَ مَا رُوِّينَاهُ عَنْ أَبِي عَلِيٍّ الْحَافِظِ النَّيْسَابُورِيِّ قَالَ : سَمِعْتُ أَحْمَدَ بْنَ عُمَيْرٍ الدِّمَشْقِيَّ - وَكَانَ مِنْ أَرْكَانِ الْحَدِيثِ - يَقُولُ : إِسْنَادُ خَمْسِينَ سَنَةً مِنْ مَوْتِ الشَّيْخِ إِسْنَادُ عُلُوٍّ ، وَفِيمَا نَرْوِي عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَنْدَهْ الْحَافِظِ ، قَالَ : " إِذَا مَرَّ عَلَى الْإِسْنَادِ ثَلَاثُونَ سَنَةً فَهُوَ عَالٍ " . وَهَذَا أَوْسَعُ مِنَ الْأَوَّلِ ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ .

الْخَامِسُ : الْعُلُوُّ الْمُسْتَفَادُ مِنْ تَقَدُّمِ السَّمَاعِ .

أُنْبِئْنَا عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ نَاصِرٍ الْحَافِظِ ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ طَاهِرٍ الْحَافِظِ ، قَالَ : " مِنَ الْعُلُوِّ تَقَدُّمُ السَّمَاعِ " .

قُلْتُ : وَكَثِيرٌ مِنْ هَذَا يَدْخُلُ فِي النَّوْعِ الْمَذْكُورِ قَبْلَهُ ، وَفِيهِ مَا لَا يَدْخُلُ فِي ذَلِكَ ، بَلْ يَمْتَازُ عَنْهُ . مِثْلُ أَنْ يَسْمَعَشَخْصَانِ مِنْ شَيْخٍ وَاحِدٍ ، وَسَمَاعُ أَحَدِهِمَا مِنْ سِتِّينَ سَنَةً مَثَلًا ، وَسَمَاعُ الْآخَرِ مِنْ أَرْبَعِينَ سَنَةً . فَإِذَا تَسَاوَى السَّنَدُ إِلَيْهِمَا فِي الْعَدَدِ ، فَالْإِسْنَادُ إِلَى الْأَوَّلِ الَّذِي تَقَدَّمَ سَمَاعُهُ أَعْلَى .

فَهَذِهِ أَنْوَاعُ الْعُلُوِّ عَلَى الِاسْتِقْصَاءِ وَالْإِيضَاحِ الشَّافِي ، وَلِلَّهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى الْحَمْدُ كُلُّهُ .

[ ص: 263 ] وَأَمَّا مَا رُوِّينَاهُ عَنِ الْحَافِظِ أَبِي الطَّاهِرِ السِّلَفِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - مِنْ قَوْلِهِ فِي أَبْيَاتٍ لَهُ :
بَلْ عُلُوُّ الْحَدِيثِ بَيْنَ أُولِي الْحِفْـظِ وَالْإِتْقَانِ صِحَّةُ الْإِسْنَادِ

وَمَا رُوِّينَاهُ عَنِ الْوَزِيرِ نِظَامِ الْمُلْكِ مِنْ قَوْلِهِ : " عِنْدِي أَنَّ الْحَدِيثَ الْعَالِيَ مَا صَحَّ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَإِنْ بَلَغَتْ رُوَاتُهُ مِائَةً " ، فَهَذَا وَنَحْوُهُ لَيْسَ مِنْ قَبِيلِ الْعُلُوِّ الْمُتَعَارَفِ إِطْلَاقُهُ بَيْنَ أَهْلِ الْحَدِيثِ ، وَإِنَّمَا هُوَ عُلُوٌّ مِنْ حَيْثُ الْمَعْنَى فَحَسْبُ ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ .
[ فتح المغيث - السخاوي ]
الكتاب : فتح المغيث شرح ألفية الحديث
المؤلف : شمس الدين محمد بن عبد الرحمن السخاوي
الناشر : دار الكتب العلمية - لبنان
الطبعة الأولى ، 1403هـ
عدد الأجزاء : 3
بسم الله الرحمن الرحيم
أقسام العالي من السند والنازل
( وطلب العلو سنة وقـــد ... فضل بعض النزول وهــو رد )
( وقسموه خمسة فـــالأول ... قرب من الرسول وهو الأفضل )
( إن صح الإسناد وقسم القرب ... إلى إمام وعلو نســـــبي )
( بنسبة للكتب الستـــة إذ ... ينزل متن من طريقها أخـــذ )
( فإن يكن في شيخه قد وافقه ... مع علو فهو الموافقــــــة )
( أو شيخ شيخه كذاك فالبدل ... وإن يكن ساواه عدا قد حصـل )
( فهو المساواة وحيث راجحه ... الأصل بالواحد فالمصافحــــة )
( ثم علو قــدم الوفــاة ... أما العلو لا مع التفــــــات )
( لآخر فقيل للخمسيـــنا ... أو الثلاثين مضت سنيـــــنا )
( ثم علو قدم السمـــاع ... وضده النزول كالأنـــــواع )
( وحيث ذك فهو ما لم يجـبر ... والصحة العلو عند النظـــــر )
(3/2)

أقسام العالي من السند والنازل
وبيان فضلهما وما يلتحق بذلك من بيان الموافقة والبدل والمصافحة والمساواة أصل الإسناد أولا خصيصة فاضلة من خصائص هذه الأمة وسنة بالغة من السنن المؤكده كما أشرت إليه قبيل مراتب التعديل
وقد روينا من طريق أبي العباس الدغولي قال سمعت محمد بن حاتم بن المظفر يقول إن الله أكرم هذه الأمة وشرفها وفضلها بالإسناد وليس لأحد من الأمم كلها قديمها وحديثها إسناد إنما هو صحف في أيديهم وقد خلطوا بكتبهم أخبارهم فليس عندهم تمييز بين ما نزل من التوراة والإنجيل وبين ما ألحقوه بكتبهم من الأخبار التي أخذوها عن غير الثقات وهذه الأمة إما تنص الحديث عن الثقة المعروف في زمانه المشهور بالصدق والأمانة عن مثله حتى تناهى أخبارهم ثم يبحثون أشد البحث حتى يعرفوا الأحفظ فالأحفظ والأضبط فالأضبط والأطول مجالسة لمن فوقه ممن كان أقل مجالسة ثم يكتبون الحديث من عشرين وجها أو أكثر حتى يهذبوه من الغلط والزلل ويضبطون حروفه ويعدوه عدا فهذا من أفضل نعم الله على هذه الأمة فليوزع الله شكر هذه النعمة
وقال أبو حاتم الرازي لم يكن في أمة من الأمم منذ خلق الله آدم أمة يحفظون آثار الرسل إلا في هذه الأمة
وقال أبو بكر محمد بن أحمد بلغني أن الله خص هذه الأمة بثلاثة أشياء لم يعطها من قبلها الإسناد
(3/3)

وعند الحاكم في ترجمة عبد الله بن طاهر من تاريخه بسنده إلى إسحاق بن إبراهيم الحنظلي قال كان عبد الله بن طاهر إذا سألني عن حديث فذكرته له بلا إسناد سألني عن إسناده ويقول رواية لحديث بلا إسناد من عمل الزمني فإن إسناد الحديث كرامة من الله عز و جل لأمة محمد ولذا قال ابن المبارك الإسناد من الدين لولا الإسناد لقال من شاء ما شاء
وفي رواية عنه مثل الذي يطلب أمر دينه بلا إسناد كمثل الذي يرتقي السطح بلا سلم
وفي رواية عنه كما في مقدمة مسلم بيننا وبين القوم القوائم يعني الإسناد وقال أيضا لم سأله عن حديث عن الحجاج بن دينار عن النبي صلى الله عليه و سلم كما في المقدمة أيضا إن بين الحجاج وبين النبي صلى الله عليه و سلم مفاوز تنقطع فيها أعناق المطي وعن الشافعي قال مثل الذي يطلب الحديث بلا إسناد كمثل حاطب ليل
وعن الثوري قال للإسناد سلاح المؤمن فإذا لم يكن معه سلاح فبأي شيء يقاتل وقال بقية ذاكرت حماد بن زيد بأحاديث فقال ما أجودها لو كان لها أجنحة يعني الأسانيد وقال مطر في قوله تعالى ( أو أثارة من علم ) قال إسناد الحديث
وطلب العلو الذي هو قلة الوسائط في السند أو قدم سماع الراوي أو وفاته سنة عمن سلف كما قاله الإمام أحمد بل قال الحاكم إنه سنة صحيحة متمسكا في ذلك بحديث أنس في مجيء ضمام بن ثعلبة إلى النبي صلى الله عليه و سلم يسمع منه مشافهة ما سلف سماعه له من رسوله إليهم إذ لو كان العلو غير مستحب لأنكر صلى الله عليه و سلم ‡سؤاله عما أخبر به رسوله عنه وترك اقتصاره على
(3/4)

خبره له ولكن إنما يتم الاستدلال بذلك على اختيار البخاري في أن قول ضمام آمنت بما جئت به إخبار وهو الذي رجحه عياض ولكنه قال إنه حضر بعد إسلامه مستثبتا من رسول الله صلى الله عليه و سلم لما أخبر به رسوله إليهم لأنه قال في حديث ثابت عن عند مسلم وغيره فإن رسولك زعم وقال في رواية كريب عن ابن عباس عند الطبري أتتنا كتبك وأتتنا سلك
أما على القول بأن قوله آمنت إنشاء كما هو مقتضى صنيع أبي داود حيث ذكره في باب ما جاء في المشرك يدخل المسجد ورجحه القرطبي متمسكا فيه بقوله زعم فإن الزعم القول الذي لا يوثق به فيما قاله ابن السكيت وغيره فلا فإنه حينئذ إنما يكون مجيئه وهو شاك لكونه لم يصدقه وأرسله قومه ليسأل لهم
قال شيخنا وفيه نظر أما أولا فالزعم يطلق أيضا على القول المحقق كما نقله أبو عمر الزاهد في شرح فصيح شيخه ثعلب وأكثر سيبويه من قوله زعم الخليل في مقام الاحتجاج وأما ثانيا فلو كان إنشاء لكان طلب معجزة توجب له التصديق على أن القرطبي استدل به على صحة إيمان المقلد للرسول ولو لم تظهر له معجزة وكذا أشار إليه ابن الصلاح وبالجملة فطرقه الاحتمال ولم يتعين أن يكون ضمام قصد العلو وكذا نازع بعضهم في كونه قصد ذلك بقوله في باقي الخبر وأنا رسول من ورائي وعلى تقدير تحتم قصد العلو فعدم الإنكار يحتمل أن يكون لكونه جائز ولكن قد استدل له بقول النبي صلى الله عليه و سلم لتميم الداري لما رآه كما في بعض طرق حديثه في الجساسة يا تميم حدث الناس بما حدثتني وبقوله أيضا خير الناس قرني الحديث فإن العلو يقربه من القرون الفاضلة
وقد قال بعضهم من أدرك إسنادا عاليا في الصغر رجا عند الشيخوخة والكبر أن يكون من قرن أفضل من الذي هو فيه والذي بعده ويليه ويشير
(3/5)

إليه قول محمد بن أسلم الطوسي قرب الإسناد قرب أو قال قربة إلى الله عز و جل فإن القرب من الرسول بلا شك قرب إلى الله ونحوه قول أبي حفص بن شاهين في جزء ما قرب سنده من رسول الله صلى الله عليه و سلم من تخرجه نرجو بهذه الأحاديث أن نكون من جملة من قال النبي صلى الله عليه و سلم خير الناس قرني ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم ثم أسند إلى زراره بن أوفى قال القرن مائة وعشرون عاما قلت وهذا أقصى ما قيل في تحديده ولكن أشهره ما وقع في حديث عبد الله بن بسر عند مسلم مما يدل على أن القرن مائة
ويمكن الاستدلال للعلو أيضا بأنه صلى الله عليه و سلم لما أخبره عبد الله ابن زيد عن رؤيته في المنام الأذان وأعلمه بألفاظه وكيفيته قال له ألقه على بلال ولم يلقه صلى الله عليه و سلم بنفسه وكذا مما استدل به له استحباب الرحلة إذ في الاقتصار على النازل كما قال الخطيب إبطال لها وتركها وقد رحل خلق من العلماء قديما وحديثا إلى الأقطار البعيدة طلبا للعلو كما قدمنا
قال الإمام أحمد وكان أصحاب عبد الله يرحلون من الكوفة إلى المدينة فيتعلمون من عمر ويسمعون منه وهذا كله شاهد لتفصيل العلو وهو المشهور بل لم يحك الحاكم خلافه وحينئذ فلا يكتفي لسماع النازل مع وجود العالي
وقد حكى الخطيب في الاكتفاء وعدمه مذهبين وذكر من أدلة الأول قول البراء رضي الله عنه ليس كلنا كان يسمع حديث رسول الله صلى الله عليه و سلم كانت لنا ضياع وأشغال ولكن الناس لم يكونوا يكذبون يومئذ فيحدث الشاهد الغائب وقول حماد بن زيد كنا نكون في مجلس أيوب السختياني فنسمع رجلا يحدث عن أيوب فنكتبه منه ولا نسأل من أيوب عنه
وقد فضل بعض من أهل النظر كما حكاه ابن خلاد والخطيب غير معنيين له النزول فإن العلو كما قال بعض الزهاد من زينة الدنيا
(3/6)

قال ابن دقيق العيد وهو كلام واقع فالغالب على الطالبين ذلك
قال وقولهم العلو قرب من الله يحتاج إلى تحقيق وبحث وكأنه لما لعله يتضمن من إثبات الجهة وذلك غير مراد ولأنه يجب على الراوي أن يجتهد في معرفة جرح من يروي عنه وتعديله والاجتهاد في أحوال رواة النازل أكثر فكان الثواب فيه أوفر
قال ابن الخلاد وهذا مذهب من يزعم أن الخبر أقوى من القياس يعني من جهة البحث والله أعلم في الخبر أكثر منه في القياس الجلي أو لأن تقديم النازل مع اشتماله على كثرة الوسائط المقتضية لتكثير الخبر يتضمن ترجيح الخبر في الجملة ويساعد هذا القول ظاهر قول ابن مهدي لا يزال العبد في فسحة من دينه ما لم يطلب الإسناد يعني التعالي فيه واستعمال بعض بلا إضافة قليل كما قدمته في غير من مراتب الصحيح وهو أي القول بتفضيل النزول رد أي مردود على قائله لضعفه وضعف حجته كما قال ابن الصلاح لأن كثرة المشقة فيما قال ابن دقيق العيد ليست مطلوبة لنفسها قال ومراعاة المعنى المقصود من الرواية وهو الصحة أولى وأيده المصنف بأنه بمثابة من يقصد المسجد للجماعة فيسلك الطريق البعيدة لتكثير الخطأ رغبة في تكثير الأجر وإن أداه سلوكها إلى فوت الجماعة التي هي المقصود وذلك أن المقصود من الحديث التوصل إلى صحته وبعد الوهم كلما كثر رجال الإسناد تطرق إليه احتمال الخطأ والخلل وكلما قصر السند كان أسلم
وسبقه الخطيب فقال ومنهم أي ومن أهل النظر من يرى أن سماع العالي أفضل لأن المجتهد مخاطر وسقوط بعض الإسناد مسقط لبعض الاجتهاد وذلك أقرب إلى السلامة فكان أولى
وكذا قال ابن الصلاح العلو ببعد الإسناد من الخلل لأن كل رجل
(3/7)

من رجاله يحتمل أن يقع الخلل من جهته سهوا أو عمدا ففي قلتهم قلة جهات الخلل وفي كثرتهم كثرة جهات الخلل قال وهذا جلي واضح
ونحوه قول ابن دقيق العيد لا أعلم وجها جيدا لترجيح العلو إلا أنه أقرب الصحة وقلة الخطأ فإن الطالبين يتفاوتون في الإتقان والغالب عدم الإتقان فإذا كثرت الوسائط ووقع في كل واسطة تساهل ما كثر الخطأ والزلل وإذا قلت الوسائط قل انتهى
وهذا موافق لما ذكره الأصوليون في ترجيح ما قلت وسائطه على ما كثرت لأن احتمال الغلط فيما قلت وسائطه أقل ثم إن علل به تفضيل النزول قد يوهم أن الحكم كذلك ولو كان راوي العالي أحفظ أو أوثق أو أضبط ونحو ذلك وليس كذلك جزما كما أنه إذا انضم إلى النزول الإتقان وكان العلو بضده لا ترد وكما قاله ابن دقيق العيد في أن النزول أقوى
ونحوه قول المصنف وسأذكر المسألة آخر الباب وحينئذ فمحل الاختلاف عند التساوي في جميع الأوصاف ما عدا العلو ومع ذلك فالعلو أفضل وطلبه وكما قال ابن طاهر من علو همة المحدث ونبل قدره وجزالة رأيه ولذا أجمع أهل النقل على طلبهم له ومدحهم إياه حتى أن البخاري لم يورد في صحيحه حديث مالك من جهة الشافعي لكونه لا يصل لمالك من طريقه إلا بواسطتين وهو قد استغنى عن ذلك بإدراكه لأصحابه كالقعنبي فلم ير النزول مع إمكان العلو
وقال الإسماعيلي ولهذا اعتمد البخاري في كثير من حديث الزهري على شعيب إذ كان من أحسن ما أدركه من الإسناد وأقل من الرواية من طريق معمر لأن أكثر حديث معمر وقع له بنزول على أن البخاري قد روى عن جماعة ممن سمع منهم تلميذه مسلم بواسطة بينه وبينهم كأحمد بن محمد بن حنبل وأحمد بن منيع وداود ابن رشيد وسريج بن يونس وسعيد بن
(3/8)

منصور وعباد بن موسى الختلي وعبيد الله بن معاذ وهارون بن معروف مع أن فيهم من روى عنه بدونها إما لكونه لم يسمع تلك الأحاديث إلا منهم أو لغير ذلك كما بسطت ذلك في محله وقيل لابن معين في مرضه الذي مات فيه ما تشتهي قال بيت خال وإسناد عال



Tidak ada komentar: